فصل: الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة

في عيد الفطر وكان لهم بها الاهتمام العظيم‏.‏وقد ذكر ابن عبد الظاهر أصنافها فقال‏:‏ كانت ألف حملة دقيق وأربعمائة قنطر سكر وستة قناطير فستق وأربعمائة وثلاثين إردب زبيب وخمسة عشر قنطاراً عسل نحل وثلاثة قناطير خل وإردبين سمسم وإردبين أنيسون وخمسين رطلاً ماء ورد وخمس نوافج مسك وكافور قديم عشرة مثاقيل وزعفران مطحون مائة وخمسون درهماً وزيت برسم الوقود ثلاثون قنطاراً‏.‏

في أصناف أخرى يطول ذكرها‏.‏

قال ابن الطوير‏:‏ ويندب لها مائة صانع من الحلاويين ومائة فراش برسم تفرقة الطوافير على أصحاب الرسوم خارجاً عمن هو مرتب فيها ويحضرها الخليفة والوزير معه فيجلس الخليفة على سريره فيها ويجلس الوزير على كرسي له في النصف الأخير من رمضان وصار ما لها من السمتعملات كالجبال الرواسي فتفرق الحلووى من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد والخشكنان من مائة حبة إلى خمس وسبعين حبة إلى ثلاث وثلاين إلى خمس وعشرين إلى عشرين ويفرق على السودان على يد مقدمهم بالأفراد من تسعة أفراد إلى سبعة إلى خمسة إلى ثلاثة كل طائفة على مقدارها بسماط يوم الفطر ما يمد في الإيوان الكبير قبل مد سماط الطعام بقاعة الذهب‏.‏

وقد وقع في كلام ابن طوير خلفٌ في وقته فذكر في موضع من كتابه أن ذلك يكون قبل ركوب الخليفة لصلاة العيد وذكر في موضع آخر أن ذلك يكون بعد حضوره من الصلاة‏.‏

الطرف الثامن في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف وترتيب جلوسه يجلس الوزير في صدر المكان وقاض القضاة مقابله وعن جانبيه شاهدان من المعتبرين وكاتب الوزير بالقلم الدقيق ويليه صاحب ديوان المال وبين يده صاحب الباب واسفهسلارٌ وبين أيديهما النواب والحجاب على طبقاتهم‏.‏وذلك يومان في الاسبوع‏.‏

وقد رثاهم عمارة اليمني بعد انقراضهم واستيلاء صلاح الدين بن أيوب على المملكة بقصيدة وصف فيها مملكتهم وعد مواكبهم وحكى مكارمهم وجلى محاسنهم وهي‏:‏ رميت يا دهر كف المجد بالشلل وجيده بعد حسن الحلي بالعطل سعيت في منهج الرأي العثور فإن قدرت من عثرات الدهر فاستقل جدعت مارنك الأقنى فأنفك لا ينفك ما بين أمر الشين والخجل هدمت ققاعدة المعروف عن عجل شقيت مهلاً أما تمشي على مهل لهفي ولهف بني الآمال قاطبةً على فجيعتها في أكرم الدول قدمت مصر فأولتني خلائفها من المكارم ما أربى على أملي قومٌ عرفت لهم كسب الألوف ومن كمالها أنها جاءت ولم أسل وكنت منت وزراء الدست حيث سما رأس الحصان بهاديه على الكفل ونلت من عظماء الجيش تكرمةً وخلةً حرست من عارض الخلل وقل لأهليهما‏:‏ والله ما التحمت فيكم جروحي ولا قرحي بمندمل ماذا ترى الإفرنج فاعلةً في نسل آل أمير المؤمنين علي هل كان في الأمر شيءٌ غير قسمة ما ملكتمو بين حكم السبي والنفل وقد حصلتم عليها واسم جدكم محمدٌ وأبوكم خير منتعل مررت بالقصر والأركان خاليةٌ من الوفود وكانت قبلة القبل فملت عنها بوجهٍ خوف منتقدٍ من الأعادي ووجه الود لم يمل أسبلت من أسفي دمعي غداة خلت رحابكم وغدت مهجورة السبل أبكي على مأثراتٍ من مكارم حال الزمان عليها وهي لم تحل دار الضيافة كانت أنس وافدكم واليوم أوحش من رسم ومن طلل وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم تشكو من الدهر حيفاً غير محتمل وكسوة الناس في

الفصلين قد درست ورث منها جديدٌ عندهم وبلي وموسمٌ كان في يوم الخليج لكم يأتي تجملكم فيه على الجمل وما حملتم قرى الأضياف من سعة الأط باق إلا على الأكتاف والعجل وما خصصتم ببر أهل مملكةٍ حتى عممتم به الأقصى من الملل كانت رواتبكم لوافدين وللض يف المقيم والطاري من الرسل ثم الطراز بتنيس الذي عظمت منه الصلات لأهل الأرض والدول وللجوامع من أخماسكم نعمٌ ممن تصدر في علم وفي عمل وربما عادت الدنيا فمعلقها منكم وأضحت بكم محلولة العقل والله‏!‏ لا فاز يوم الحشر مبغضكم ولا نجا من عذاب النار غير ولي ولا سقي الماء من حر ومن ظمأٍ من كف خير البرايا خاتم الرسل ولا رأى جنة الله التي خلقت من خان عهد الإمام العاضد بن علي أئمتى وهداتي والذخيرة لي إذا ارتهنت بما قدمت من عمل والله لم نوفهم في المدح حقهم لأن فضلهم كالوابل الهطل ولو تضاعفت الأقوال واستبقت ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل قلت‏:‏ وعمارة هذا لم يكن على معتقد الشيعة بل كان فقيهاً شافعياً قدم مصر برسالة عن القاسم بن هاشم بن أبي فليتة أمير مكة إلى الفائز أحد خلفائهم في سنة خمسين وخمسمائة في وزارة الصالح طلائع بن رزيك فأحسنوا له وبالغوا في بره فأقام عندهم وتألف بهم وأتى فيهم من المدح بما بهر العقول‏.‏

ولم يزل موالياً لهم حتى زالت دولتهم واستولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله فرثاهم بهذه القصيدة فكانت آخر أسباب حتفه فصلب فيمن صلب بين القصرين من أتباع الدولة الفاطمية‏.‏

الحالة الثالثة من أحوال المملكة ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية و إلى زماننا واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية خالفتها في كثير من ترتيب المملكة وغيرت غالب معالمها وجرت على ما كانت عليه الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي بالموصل ثم ولده الملك العادل نور الدين محمود بالشام وما معه وكان من شأنهم أنهم يلبسون الكلوتات الصفر على رؤوسهم مكشوفة بغير عمائم وذوائب شعورهم مرخاة تحتها سواء في ذلك المماليك والأمراء وغيرهم حتى يحكى عن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر صاحب دمشق في اطراح التكلف‏:‏ أنه كان يلبس الكلوتة الصفراء بلا شاش ويخترق الأسواق من غير أن يطرق بين يديه كغيره من الملوك وكان سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي حين ملك الموصل بعد أبيه أحدث حمل السنجق على رأسه فتبعه الملوك على ذلك وألزم الأجناد أن يشدوا السيوف في أوساطهم ويجعلوا الدبابيس تحت ركبهم عند الركوب كما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه‏.‏

فلما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله الديار المصرية جرى على هذا المنهج أو ما قاربه وجاءت الدولة التركية وقد تنقحت المملكة وترتبت فأخذت في الزيادة في تحسين الترتيب وتنضيد الملك وقيام أبهته ونقلت عن كل مملكة أحسن ما فيها فسلكت سبيله ونسجت على منواله حتى تهذبت وترتبت أحسن ترتيب وفاقت سائر الممالك وفخر ملكها على سائر الملوك‏.‏

ولم يزل السلطان والجند يلبسون الكلوتة الصفراء بغير عمامة إلى أن ولي السلطان الملك الأشرف خليل بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون السلطنة فأحدث الشاش عليها فجاءت في نهاية من الحسن وصاروا يلبسونها فوق الذوائب الشعر المرخاة على ما كان عليه الأمر أولاً إلى أن حج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة فحلق رأسه وحلق الناس رؤوسهم واستداموا حلق رؤوسهم وتركت ذوائب الشعر إلى الآن‏.‏

ويتعلق القول من ذلك بعشرة مقاصد‏.‏

  المقصد الأول في ذكر رسوم الملك وآلاته

وهو أنواع كثيرة بعضها عام في الملوك أو أكثرهم وبعضها خاص بهذه المملكة منها‏:‏ سرير الملك ويقال له تخت الملك‏.‏

وهو من الأمور العامة للملوك وقد تقدم أن أول من اتخذ مرتبة للجلوس عليها في الإسلام معاوية رضي الله عنه حين بدن ثم تنافس الخلفاء و الملوك بعده في الإسلام في ذلك حتى اتخذوا الأسرة كانت أسرة خلفاء بني العباس ببغداد يبلغ علوها نحو سبعة أذرع‏.‏

وهو في هذه المملكة منبر من رخام بصدر إيوان السلطان الذي يجلس فيه على هيئة منابر الجوامع إلا إنه مستند إلى الحائط وهذا المنبر يجلس عليه السلطان في يوم مهم كقدوم رسل عليه ونحو ذلك وفي سائر الأيام يجلس على كرسي من خشب مغشى بالحرير إذا أرخى رجليه كادتا أن تلحقا الأرض وفي داخل قصوره يجلس على كرسي صغير من ومنها‏:‏ المقصورة للصلاة في الجامع‏.‏

وقد تقدم في الكلام على ترتيب الخلافة أن أول من اتخذها في الإسلام معاوية وقد صارت سنةً لملوك الإسلام بعد ذلك تمييزاً للسلطان عن غيره من الرعية وهي في هذه المملكة مقصورةٌ بجامع قلعة الجبل على القرب من المنبر متخذةٌ من شباك حديد محكمة الصنعة يصلي فيها السلطان ومن معه من أخصاء خاصكيته يوم الجمعة‏.‏

ومنها‏:‏ نقش اسم السلطان على ما ينسج و يرقم من الكسوة و الطرز المتخذة من الحرير أو الذهب بلون مخالف للون القماش أو الطرز لتصير الثياب والطرز السلطانية مميزة عن غيرها تنويها بقدر لابسها‏:‏ من السلطان أو من يشرفه بلبسها عند ولاية وظيفة أو إنعام أو غير ذلك‏.‏

ولذلك دارٌ مفردة بعمله بالإسكندرية تعرف بدار الطراز وعلى ذلك كانت خلفاء الدولتين‏:‏ بني أمية وبني العباس حين كانت الخلافة قائمة‏.‏

ومنها‏:‏ الغاشية‏.‏

وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب يخالها الناظر جميعها مصنوعة من الذهب تحمل بين يديه عند الركوب في المواكب الحفلة كالميادين و الأعياد ونحوها يحملها الركاب دارية رافعاً لها على يديه يلفتها يميناً و شمالاً وهي من خواص هذه المملكة‏.‏

ومنها‏:‏ المظلة‏.‏

ويعبر عنها بالجتر بجيم مكسورة قد تبدل شيناً معجمة وتاء مثناه فوق وهي قبةٌ من حرير أصفر مزركش بالذهب على أعلاها طائرٌ من فضة مطلية بالذهب تحمل على رأسه من العيدين‏.‏

وهي من بقايا الدولة الفاطمية وقد تقدم الكلام عليها مبسوطاً في الكلام على ترتيب مملكتهم‏.‏

ومنها‏:‏ الرقبة‏.‏

وهي رقبة من أطلس أصفر مزركشة بالذهب بحيث لا يرى الأطلس لتراكم الذهب عليها تجعل على رقبة الفرس في العيدين و الميادين من تحت أذني الفرس إلى نهاية عرفه وهي من خواص هذه المملكة‏.‏

ومنها‏:‏ الجفتة وهما اثنان من أوشاقية إصطبله قريبان في السن عليهما قباءان أصفران من حرير بطراز من زركش وعلى رأسيهما قبعتان من زركش وتحتهما فرسان أشهبان برقبتين و عدة نظير ما السلطان راكب به كأنهما معدان لأن يركبهما يركبان أمامه في أوقات مخصوصة كالركوب للعب الكرة في الميدان الكبير ونحو ذلك وهما من خواص هذه المملكة‏.‏

ومنها‏:‏ الأعلام‏.‏

وهي عدة رايات منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرزة بالذهب عليها ألقاب السلطان واسمه وتسمى العصابة وراية عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الحاليش ورايات صفر صغار تسمى السناجق‏.‏

زنكي وهو أخو السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم‏.‏

ومنها‏:‏ الطبلخاناه‏.‏

وهي طبول متعددة معها أبواق و زمر تختلف أصواتها على إيقاع مخصوص تدق في كل ليلة بالقلعة بعد صلاة المغرب وتكون صحبة الطلب في الأسفار والحروب وهي من آلات العامة لجميع الملوك‏.‏

ويقال إن الإسكندر كان معه أربعون حملاً طبلخاناه وقد كتب أرسطو في كتاب السياسة الذي كتبه للإسكندر أن السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب‏.‏

والذي ذهب إليه بعض المحققين أن السر في ذلك أن في أصواتها تهييجاً للنفس عند الحرب وتقوية الجأش كما تنفعل الإبل بالحداء ونحو ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ الكوسات‏.‏

وهي صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ومع ذلك طبولٌ و شبابة يدق بها مرتين في القلعة كل ليلة ويدار بها في جوانبها مرة بعد العشاء الآخرة ومرة قبل التسبيح على الموادن وتسمى الدورة بذلك في القلعة وكذلك إذا كان السلطان في السفر تدور حول خيمه‏.‏

ومنها‏:‏ الخيام و الفساطيط في الأسفار‏.‏

ولهذا السلطان من ذلك المدد الكبير تتخذ له الخيام العظيمة الشأن المختلفة المقادير والصنعة من القطن الشامي الملون بالأبيض والأحمر والأزرق وغيرها وكذلك من الجوخ المختلف الألوان مما يدهش بحسنه العقول‏:‏ لينوب مناب قصورهم في الإقامة وسيأتي ذكر أمور أخرى من آلات الملك سوى ما تقدم منفردة في أماكنها إن شاء الله تعالى‏.‏

في حواصل السلطان وهي على أربعة أنواع النوع الأول الحواصل المعبرة عنها بالبيوت وذلك أنهم يضيفون كل واحد منها إلى لفظ خاناه كالطشت خاناه والشراب خاناه ونحوهما وخاناه لفظ فارسي معناه البيت والمعنى بيت كذا إلا أنهم يؤخرون المضاف على المضاف إليه على عادة العجم في ذلك وهي ثمانية بيوت‏:‏ الأول الشراب خاناه‏.‏

ومعناه بيت الشراب وتشتمل على أنواع الأشربة المرصدة لخاص السلطان والمشروب الخاص من السكر والأقسما وغير ذلك وفيها يكون السكر المخصوص بالمشروب وبها الأواني النفيسة من الصيني الفاخر من اللازوردي و غيره مما تساوي السكرجة الواحدة اللطيفة منه ألف درهم فما حوله ووظيفة الشاد بها تكون لأمير من أكابر أمراء المئين الخاصكية المؤتمنين ولها مهتار يعرف بمهتار الشراب خاناه متسلم لحواصلها له مكانة علية وتحت يده غلمان عنده برسم الخدمة يطلق على كل منهم شراب دار وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة معنى الإضافة إلى الدار في ذلك ونحوه‏.‏

الثاني الطشت خاناه‏.‏

ومعناه بيت الطشت سميت بذلك لأن فيها يكون الطشت الذي تغسل فيه الأيدي و الطشت الذي يغسل فيه القماش وقد غلب عليهم استعمال لفظ الطشت بشين معجمة مع كسر الطاء وصوابه بالسين المهملة مع فتح الطاء وأصله طس بسين مشددة فأبدلت من إحدى السينين تاء للاستثقال‏.‏

فإذا جمع أو صغر ردت السين إلى أصلها فيقال في الجمع طساس و طسوس وفي التصغير طسيس‏.‏

قال الجوهري‏:‏ ويقال فيه أيضاً طسة ويجمع على طسات والناس الآن يقولون طاسة ويجمعونه على طاسات ويجعلون الطست اسماً لنوع خاص والطاسة اسماً لنوع خاص‏.‏

وفي الطشت خاناه يكون ما يلبسه السلطان من الكلوتة و الأقبية وسائر الثياب والسيف والخف والسرموزة وغير ذلك‏.‏

وفيها يكون ما يجلس عليه السلطان من المقاعد والمخاد والسجادات التي يصلي عليها وما شاكل ذلك ولها أيضاً مهتار من كبار المهتارية يعرف بمهتار الطشت خاناه وتحت يديه عدة غلمان بعضهم يعرفون بالطشت دارية و بعضهم يعرف بالرختوانية‏.‏

وله التحدث في تفرقة اللحم على المماليك السلطانية من الحوائج خاناه إقامة قباض اللحم ويطلق على كل من غلمان الطشت خاناه و قباض اللحم بابا وهي لفظة رومية بمعنى الأب أطلقوها على مهتار الطشت خاناه تعظيماً له غلبت على من عداه ولغلمانها دربةٌ بترتيب الأحمال التي تحمل على ظهور البغال للزينة في المواكب العظيمة ونحوها يأتون فيها من بديع الصنعة و التعاليق الغريبة بكل عجيب وهم يتباهون بذلك ويسامي بعضهم بعضاً فيه‏.‏

الثالث الفراش خاناه‏.‏

ومعناها بيت الفراش وتشتمل على أنواع الفرش من البسط والخيام ولها مهتار يعرف بمهتار الفراش خاناه وتحت يده جماعة من الغلمان مستكثرة مرصدون للخدمة فيها في السفر والحضر يعبر عنهم بالفراشين وهم من أمهر الغلمان وأنهضهم ولهم دربةٌ عظيمة في نصب الخيام حتى إن الواحد منهم ربما أقام الخيمة العظيمة ونصبها وحده بغير معاون له في ذلك ولهم معرفة تامة بشد الأحمال التي تحمل في المواكب على ظهور البغال يبلغ الحمل منها نحو خمسة عشر ذراعاً‏.‏

الرابع السلاح خاناه‏.‏

ومعناها بيت السلاح وربما قيل الزردخاناه ومعناها بيت الزرد لما فيها من الدروع الزرد وتشتمل على أنواع السلاح‏:‏ من السيوف والقسي العربية والنشاب والرماح والدروع المتخذة من الزرد الماتع والقرقلات المتخذة من صفائح الحديد المغشاة بالديباج الأحمر والأصفر وغير ذلك من الأطبار وسائر أنواع السلاح ويقل بها قسي الرجل و الركاب لعدم معاناتها بالديار المصرية وإنما تكثر بالثغور كالإسكندرية وغيرها وفي كل سنة يحمل إليها ما يعمل بخزائن السلاح من الأسلحة يجعل على رؤوس الحمالين و يزف إلى القلعة ويكون يوماً مشهوداً وفي هذه السلاح خاناه من الصناع المقيمين بها لإصلاح العدد و تجديد المستعملات جماعة كبيرة و يسمى صانع ذلك الزردكاش وهي لفظة عجمية وكأن معناها صانع الزرد ولها غلمان أخرى و فراشون بسبب خدمة القماش و افتقاده‏.‏

الخامس الركاب خاناه‏.‏

ومعناها بيت الركاب وتشتمل على عدد الخيل من السروج واللجم والكنابيش وعبي المراكيب والعبي الإصطبليات والأجلال والمخالي وغير ذلك من الأصناف التي يطول ذكرها وفيها السروج المغشاة بالذهب والفضة المطلية والساذجة و الكنابيش المتخذة من الذهب المزركش المزهرة بالريش وغير مزهرة و العبي المتخذة من الحرير و صوف السهك وغير ذلك من نفائس العدد و المراكيب ما يحير العقول و يدهش البصر مما لا يقدر على مثله إلا عظماء الملوك‏.‏

ولها مهتار متسلم لحواصلها يعبر عنه بمهتار الركاب خاناه وتحت يده رجال لمعاضدته على ذلك‏.‏

السادس الحوائج خاناه‏.‏

ومعناها بيت الحوائج وليست على هيئة البيوت المتقدمة مشتملةً على حاصل معين و إنما لها جهة تحت يد الوزير منها يصرف اللحم الراتب للمطبخ السلطاني و الدور السلطانية و رواتب الأمراء و المماليك السلطانية و سائر الجند و المتعممين وغيرهم من أرباب الرواتب الذين تملأ أسماؤهم الدفاتر و كذلك توابل الطعام للمطبخ السلطاني و الدور السلطانية ومن له توابل مرتبة من الأمراء و غيرهم والزيت للوقود والحبوب وغير ذلك من الأصناف المتعددة ولها مباشرون منفردون بها يضبطون أسماء أرباب المستحقات ومقادير استحقاقهم وهي من أوسع جهات الصرف حتى إن ثمن اللحم وحده يبلغ ثلاثين ألف درهم في كل يوم خارجاً عما عداه من الأصناف وربما زاد على ذلك‏.‏

السابع المطبخ‏.‏

وهو الذي يطبخ فيه طعام السلطان الراتب في الغداء والعشاء و الطاريء في الليل و الأسمطة التي تمد بالإيوان الكبير بدار العدل في أيام المواكب و يحمل إليه اللحم و التوابل وسائر الأصناف من الحوائج خاناه المتقدمة الذكر بقدر معلوم مرتب يستهلك فيه في كل يوم قناطير مقنطرة من اللحم والدجاج والإوز و الأطعمة الفاخرة وله أمير من الأمراء يحكم عليه يسمى أستادار الصحبة وتحت يده آخر يعبر عنه بالمشرف وله طباخ كبير معتبر يعبر عنه باسباسلار‏.‏

الثامن الطبلخاناه‏.‏

ومعناها بيت الطبل ويشتمل على الطبول و الأبواق و توابعها من الآلات ويحكم أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم يقف عليها عند ضربها في كل ليلة ويتولى أمرها في السفر ولها مهتار متسلم لحواصلها يعرف بمهتار الطبلخاناه وله رجال تحت يده ما بين دبندار‏:‏ وهو الذي يضرب على الطبل ومنفر وهو الذي يضرب بالبوق وكوسي وهو الذي المقصد الثالث في ذكر أعيان المملكة وأرباب المناصب الذين بهم انتظام المملكة وقيام الملك وهم أربعة أضرب الضرب الأول أرباب السيوف والنظر فيهم وجهين الوجه الأول مراتبهم على سبيل الإجمال وهي على نوعين النوع الأول الأمراء وهم أربع طبقات الطبقة الأولى أمراء المئين مقدمو الألوف وعدة كل منهم مائة فارس قال في مسالك الأبصار‏:‏ وربما زاد الواحد منهم العشرة و العشرين و له التقدمة على ألف فارس ممن دونه من الأمراء وهذه الطبقة هي أعلى مراتب الأمراء على تقارب درجاتهم ومنهم يكون أكابر الوظائف و النواب‏.‏

ثم الذي كان استقر عليه قاعدة المملكة في الروك الناصري محمد بن قلاوون وما بعده إلى آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين أن يكون بالديار المصرية أربعة و عشرون مقدماً ولما استجد في الدولة الظاهرية الديوان المفرد لخاص السلطان وأفرد له عدة كثيرة من المماليك السلطانية و المستخدمين نقصت عدة المقدمين عما كانت عليه وصارت دائرةً بين الثمانية عشر و العشرين مقدماً بما في ذلك من نائب الإسكندرية ونائبي الوجهين‏:‏ القبلي و البحري‏.‏

الطبقة الثانية أمراء الطبلخاناه وعدة كل منهم في الغالب أربعون فارساً‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وقد يزيد بعضهم على ذلك إلى سبعين فارساً بل ذكر في التعريف في أواخر الكاتبات أنه يكون للواحد منهم ثمانون فارساً‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين وهذه الطبقة لا ضابط لعدة أمرائها بل تتفاوت بالزيادة و النقص لأنه مهما فرقت إمرة الطبلخاناه فجعلت إمرتي عشرين أو أربع عشرات أو ضم بعض العشرات و نحوها إلى بعض وجعلت طبلخاناه ومن أمراء الطبلخاناه تكون الرتبة الثانية من أرباب الوظائف و الكشاف بالأعمال وأكابر الولاة‏.‏

الطبقة الثالثة أمراء العشرات وعدة كل منهم عشرة فوارس‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وربما كان فيهم من له عشرون فارساً ولا يعد إلا في أمراء العشرات وهذه الطبقة أيضاً لا ضابط لعدد أمرائها بل تزيد و تنقص كما تقدم في الكلام على أمراء الطبلخاناه ومن هذه الطبقة يكون صغار الولاة و نحوهم من أرباب الوظائف‏.‏

الطبقة الرابعة أمراء الخمسات‏.‏

وهم أقل من القليل خصوصاً بالديار المصرية وأكثر ما يقع النوع الثاني الأجناد وهم على طبقتين الطبقة الأولى المماليك السلطانية‏.‏

وهم أعظم الأجناد شأناً وأرفعهم قدراً وأشدهم إلى السلطان قرباً وأوفرهم إقطاعاً ومنهم تؤمر الأمراء رتبة بعد رتبة وهم في العدة بحسب ما يؤثره السلطان من الكثرة و القلة وقد كان لهم في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم في أيام السلطان الملك الظاهر برقوق العدد الجم والمدد الوافر لطول مدة ملكهما و اعتنائهما بجلب المماليك ومشتراها‏.‏

الطبقة الثانية أجناد الحلقة‏.‏

وهم عدد جم وخلق كثير و ربما دخل فيهم من ليس بصفة الجند من المتعممين وغيرهم بواسطة النزول عن الإقطاعات وقد جرت عادة ديوان الجيش عدم الجمع على الجند كي لا يحاط بعدته و يطلع إليه‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولكل أربعين نفساً منهم مقدم منهم ليس له عليهم حكم إلا إذا خرج العسكر كانت مواقفهم معه وترتيبهم في موقفهم إليه‏.‏

ومن الأجناد طائفة ثالثة يقال لهم البحرية يبيتون بالقلعة وحول دهاليز السلطان في السفر كالحراس وأول من رتبهم وسماهم بهذا الاسم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏

الوجه الثاني في ذكر أرباب الوظائف من أرباب السيوف النوع الأول من هو بحضرة السلطان وهي خمسة وعشرون وظيفة الأولى النيابة‏.‏

ويعبر عن صاحبها بالنائب الكافل وكافل الممالك الإسلامية‏.‏

قال في التعريف‏:‏ وهو يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان ويعلم في التقاليد و التواقيع و المناشير وغير ذلك مما هو من هذا النوع على كل ما يعلم عليه السلطان وسائر النواب لا يعلم الرجل منهم إلا على ما يتعلق بخاصة نيابته‏.‏

قال‏:‏ وهذه رتبة لا يخفى ما فيها من التمييز‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وجميع نواب الممالك تكاتبه فيما تكاتب فيه السلطان و يراجعونه فيه كما يراجع السلطان ويستخدم الجند من غير مشاورة السلطان ويعين أرباب الوظائف الجليلة كالوزارة وكتابة السر وقل أن لا يجاب فيمن يعينه وهو سلطان مختصر بل هو السلطان الثاني‏.‏

وعادته أن يركب بالعسكر في أيام المواكب و ينزل الجميع في خدمته‏.‏

فإذا مثل في حضرة السلطان وقف في ركن الإيوان‏.‏

فإذا انقضت الخدمة خرج إلى دار النيابة بالقلعة والأمراء معه و يجلس جلوساً عاماً للناس ويحضره أرباب الوظائف ويقف قدامه الحجاب وتقرأ عليه القصص ثم يمد السماط للأمراء كما يمد لهم السلطان فيأكلون و ينصرفون‏.‏

وإذا كانت النيابة قائمة على هذه الصورة لم يكن السلطان يتصدى لقراءة القصص وسماع الشكاوى بنفسه ويأمر في ذلك بما يرى من كتابة مثال ونحوه ولكنه لا يستبد بما يكتب من الأبواب السلطانية بنفسه بل يكتب بإشارته وينبه أما ديوان الجيش فإنه لا يكون له خدمةٌ إلا عنده ولا اجتماعٌ إلا به ولا اجتماع لهم بالسلطان في أمر من الأمور وما كان من الأمور المعضلة التي لا بد من إحاطة علم السلطان بها فإنه يعلمه بها تارة بنفسه و تارة بمن يرسله إليه‏.‏

هذا آخر كلامه في المسالك غير أن هذا النائب تارة ينصب و تارة يعطل جيد المملكة منه وعلى هذا كان الحال في الأيام الناصرية ابن قلاوون تارة و تارة وكذا الحال في زماننا‏.‏

وإذا كان منتصباً اختص بإخراج بعض الإقطاعات دون بعض ويكون صاحب ديوان الجيش هو الملازم له و ناظر الجيش ملازم السلطان‏.‏

قال في التعريف‏:‏ أما نائب الغيبة‏:‏ وهو الذي يترك إذا غاب السلطان و النائب الكافل وليس إلا لإخماد الثوائر وخلاص الحقوق فحكمه في رسم الكتابة إليه رسم مثله في الأمراء‏.‏

الثانية الأتابكية‏.‏

ويعبر عن صاحبها بأتابك العساكر‏.‏

قال السلطان عماد الدين في تاريخه‏:‏ وأصله أطابك ومعناه الوليد الأمير وأول من لقب بذلك نظام الدولة وزير ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي حين فوض إليه ملكشاه تدبير المملكة سنة خمس وستين وأربعمائة ولقبه بألقاب منها هذا وقيل أطابك معناه أمير أب والمراد أبو الأمراء وهو أكبر الأمراء المقدمين بعد النائب الكافل وليس له وظيفة ترجع إلى حكم و أمر ونهي وغايته رفعة المحل وعلو المقام‏.‏

الثالثة وظيفة رأس نوبة‏.‏

وموضوعها الحكم على المماليك السلطانية والأخذ على أيديهم وقد الرابعة إمرة مجلس‏.‏

وموضوعها وهو يتحدث على الأطباء والكحالين ومن شاكلهم ولا يكون إلا واحداً‏.‏

الخامسة إمرة سلاح‏.‏

وأصل موضوعها حمل السلاح للسلطان في المجامع الجامعة وصاحبها هو المقدم على السلاح دارية من المماليك السلطانية والمتحدث في السلاح خاناه السلطانية وما يستعمل لها ويقدم إليها ولا يكون إلا واحداً من الأمراء المقدمين‏.‏

السادسة إمرة أخورية‏.‏

وموضوعها التحدث على إصطبل السلطان و خيوله وعادتها مقدم ألف يكون متحدثاً فيها حديثاً عاماً وهو الذي يكون ساكناً بإصطبل السلطان ودونه ثلاثة من أمراء الطبلخاناه‏.‏

أما أمراء العشرات والجند فغير محصورين‏.‏

السابع الدوادارية‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وموضوعها تبليغ الرسائل عن السلطان و إبلاغ عامة الأمور وتقديم القصص إليه والمشاورة على من يحضر إلى الباب الشريف و تقديم البريد هو و أمير جاندار وكاتب السر ويأخذ الخط على عامة المناشير والتواقيع والكتب‏.‏

وإذا خرج عن السلطان بكتابة شيء بمرسوم حمل رسالته وعينت فيما يكتب وسيأتي بيان ذلك فيما يكتب بالرسائل في الكلام على قوانين ديوان الإنشاء إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي هذه الوظيفة عدةٌ من الأمراء والجند وقد كانت في أيام الناصر محمد بن قلاوون وما تلاها ليس فيها أميرٌ مقدم ألف ثم آل الأمر إلى أن صار منهم مقدم ألف ونائبه طبلخاناه‏.‏

وأول من استقر في وظيفة الدوادارية من الأمراء الألوف طغيتمر النجمي في الدولة الناصرية حسن ثم صار غالب من يليها ألوف وربما كان طبلخاناه أحياناً‏.‏

الثامنة الحجوبية‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وموضوعها أن صاحبها ينصف بين الأمراء والجند تارة بنفسه و تارة بمراجعة النائب إن كان وإليه تقديم من يعرض ومن يرد وعرض الجند وما ناسب ذلك والتي جرت به العادة خمسة حجاب اثنان من مقدمي الألوف‏:‏ وهما حاجب الحجاب هو المشار إليه من الباب الشريف والقائم مقام النائب في كثير من الأمور‏.‏

واعلم أن هذا الاسم أول ما حدث في الدولة الأموية في خلافة عبد الملك بن مروان وكان موضوعها إذ ذاك حجب السلطان عن العامة ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته ثم تبعهم بنو العباس على ذلك‏.‏

وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة‏:‏ أنه كان للمقتدر سبعمائة حاجب‏.‏

هذا وكانت الخلافة قد أخذت في الضعف وهو خلاف موضوعها الآن وفيها بمماليك المغرب معانٍ أخرى يأتي ذكرها عند الكلام على ممالكها إن شاء الله تعالى‏.‏

التاسعة إمرة جاندار‏.‏

وموضوعها أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة و يدخل أمامهم إلى الديوان‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ويقدم البريد مع الدوادار وكاتب السر‏.‏

قال‏:‏ وصاحبها كالمتسلم للباب وله به البرددارية وطوائف الركابية و الخازندارية‏.‏

وإذا أراد السلطان تعزير أحد أو قتله كان ذلك على يد صاحب هذه الوظيفة وهو المتسلم للزردخاناه التي هي أرفع قدراً في الاعتقالات ولا تطول مدة المعتقل بها بل إما يعجل بتخلية سبيله أو إتلاف نفسه وصاحب هذه الوظيفة هو الذي يطوف بالزفة حول السلطان في سفره وقد جرت العادة أن يكون فيها أميران‏:‏ مقدم ألف وطبلخاناه والمشار إليه هو المقدم‏.‏

العاشرة الاستادرية‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وموضوعها التحدث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والشراب خاناه و الحاشية والغلمان وهو الذي يمشي بطلب السلطان ويحكم في غلمانه و باب داره وإليه أمر الجاشنكيرية وإن كان كبيرهم نظيره في الإمرة من ذوي المئين وله حديثٌ مطلق و تصرف تام في استدعاء ما يحتاجه كل من في بيت السلطان من النفقات و الكساوي و ما يجري مجرى ذلك للمماليك وغيرهم‏.‏

وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة‏:‏ واحد مقدم ألف و ثلاثة طبلخاناه وربما نقصوا عن ذلك‏.‏

الحادية عشرة الجاشنكرية‏.‏

وموضوعها التحدث في أمر السماط مع الأستادار على ما تقدمت الإشارة إليه ويقف على السماط مع أستادار الصحبة وأكبرهم يكون من الأمراء المقدمين‏.‏

الثانية عشرة الخازندارية‏.‏

وموضوعها التحدث في خزائن الأموال السلطانية من نقد وقماش وغير ذلك وكانت عادتها طبلخاناه ثم استقرت تقدمة ألف ويطالبه في حساب ذلك ناظر الخاص الآتي ذكره‏.‏

الثالثة عشرة شد الشراب خاناه‏.‏

وموضوعها التحدث في أمر الشراب خاناه السلطانية و ما عمل إليها من السكر و المشروب والفواكه وغير ذلك وتارة يكون مقدماً وتارة يكون طبلخاناه‏.‏

الرابعة عشرة أستادارية الصحبة‏.‏

وموضوعها التحدث على المطبخ السلطاني و الإشراف على الطعام و المشي أمامه والوقوف على السماط والعادة أن يكون صاحبها أمير عشرة‏.‏

الخامسة عشرة تقدمة المماليك‏.‏

وموضوعها التحدث على المماليك السلطانية والحكم فيهم ولا يكون صاحبها إلا من الخدام والعادة أن تكون إمرة طبلخاناه وله نائب أمير عشرة‏.‏

السادسة عشرة زمامية الدور السلطانية‏.‏

وصاحبها من أكبر الخدام وهو المعبر عنه بالزمام وعادته أن يكون أمير طبلخاناه‏.‏

السابعة عشرة نقابة الجيوش‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهي موضوعة لتحلية الجند في عرضهم ومعه يمشي النقباء‏.‏

وإذا طلب السلطان أو النائب أو الحاجب أميراً أو غيره أحضره‏.‏

قال‏:‏ وهو كأحد الحجاب الصغار وله التطلب بالحراسة في الموكب و السفر‏.‏

الثامنة عشرة المهمندارية‏.‏

وموضوعها تلقي الرسل الواردين و أمراء العربان وغيرهم ممن يرد من أهل المملكة وغيرها

التاسعة عشرة شد الدواوين‏.‏

وموضوعها أن يكون صاحبها رفيقاً للوزير متحدثاً في استخلاص الأموال وما في معنى ذلك وعادتها إمرة عشرة‏.‏

العشرون إمرة طبر‏.‏

وموضوعها أن يكون صاحبها حاملاً الطبر في المواكب ويحكم على من دونه من الطبردارية وعادتها إمرة عشرة أيضاً‏.‏

الحادية و العشرون إمرة علم‏.‏

وموضوعها أن يكون صاحبها متحدثاً على الطبلخاناه السلطانية و أهلها متصرفاً في أمرها وعادتها إمرة عشرة‏.‏

الثانية و العشرون إمرة شكار‏.‏

وموضوعها أن يكون صاحبها متحدثاً في الجوارح السلطانية من الطيور وغيرها والصيود السلطانية وأحواش الطيور وغيرها وهي إمرة عشرة‏.‏

الثالثة و العشرون حراسة الطير‏.‏

وموضوعها أن يكون صاحبها متحدثاً على حراسة الطيور من الكراكي التي هي بصدد أن يصيدها السلطان في الأماكن التي تنزل بها الطيور من المزارع وغيرهما وهي إمرة عشرة‏.‏

الرابعة و العشرون شد العمائر‏.‏

وموضوعها أن يكون صاحبها متكلماً في العمائر السلطانية مما الخامسة و العشرون الولاية‏.‏

والولاة بالحاضرة على صنفين‏:‏ الصنف الأول ولاة الشرطة المعروفون في الديار المصرية بولاة الحرب وهم ثلاثة بالقاهرة والفسطاط المعروف بمصر والقرافة فأما والي القاهرة فيحكم في القاهرة وضواحيها وهو أكبر الثلاثة وأعلاهم رتبةً وعادته إمرة طبلخاناه‏.‏

وأما والي الفسطاط فيحكم في خاصة مصر على نظير ما يحكم والي القاهرة في بلده وعادته إمرة عشرة‏.‏

وأما والي القرافة فيحكم في القرافة التي هي تربة هاتين المدينتين بمراجعة والي مصر وعادته إمرة عشرة‏.‏

وقد أضيفت الآن القرافة إلى مصر وصارت ولاية واحدة وجعلت إمرة طبلخاناه ولكنها لا تبلغ شأو القاهرة‏.‏

الصنف الثاني ولاة القلعة وهم اثنان أحدهما والي القلعة وهو أمير طبلخاناه وله التحدث على باب القلعة الكبير الذي منه طلوع عامة العسكر ونزولهم في الفتح و الغلق ونحو ذلك‏.‏

الثاني والي باب القلة وهو أمير عشرة وله التحدث على الباب المذكور وأهله كما لوالي القلعة النوع الثاني ما هو خارج عن الحضرة السلطانية وهم على ثلاثة طبقات الطبقة الأولى نواب السلطنة والذي بمصر الآن ثلاث نيابات جميعها مستحدثة عن قرب‏.‏

الأولى نيابة الإسكندرية‏.‏

وهي نيابة جليلة تضاهي نيابة طرابلس و حماة وصفد من المملكة الشامية الآتي ذكرها وبها كرسي سلطنة ونمجاه سلطانية توضع على الكرسي ونائبها من الأمراء المقدمين يركب في المواكب بالشبابة السلطانية ومعه أجناد الحلقة المرتبون بها ويخرج في موكبه إلى ظاهر الإسكندرية خارج باب البحر ويجتمع إليه الأمراء المسيرون بها هناك ثم يعود وهم معه إلى دار النيابة ويمد السماط السلطاني ويأكل عليه الأمراء و الأجناد ويحضره القضاة وتقرأ القصص على عادة النيابات ثم ينصرفون‏.‏

وكان ابتداء ترتيب هذه النيابة في سنة سبع و ستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرق العدو المخذول من الفرنج الإسكندرية وفتكوا بأهلها و قتلوا منهم الخلق العظيم ونهبوا الأموال الجمة وكانت قبل ذلك ولاية تعد في جملة الولايات وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية من أكابر أمراء الطبلخاناه‏.‏

الثانية نيابة الوجه القبلي‏.‏

وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق وهو في رتبة نيابة الوجه البحري بل أعظم خطراً منه ومقر نيابته مدينة أسيوط المتقدم ذكرها وحكمه على جميع بلاد الوجه القبلي بأسرها وهي في الترتيب على ما تقدم من نيابة الوجه البحري وكانت قبل ذلك كاشفاً يطلق عليه والي الولاة كما كان في الوجه البحري‏.‏

الثالثة نيابة الوجه البحري‏.‏

وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية أيضاً ونائبها من الأمراء المقدمين وهو في رتبة مقدم العسكر بغزة الآتي ذكرها ومقر نائبها دمنهور مدينة البحيرة المتقدم ذكرها وليست على قاعدة النيابات بل هي في الحقيقة ولاية حرب كبيرة وقد كان القائم بها قبل ذلك كاشفاً يطلق عليه والي الولاة ولم يكن له مقرة خاصة‏.‏

الطبقة الثانية الكشاف قد تقدم أنه قبل النيابة بالوجهين القبلي و البحري كان بهما كاشفان ولما استقرت النيابة بهما جعل للوجه البحري كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدمة يتحدث في بلاده ما عدا عمل البحيرة لقربه من نائب الوجه البحري وجعل كاشف آخر من رتبته لعمل الفيوم و عطل من الوالي وأضيف إليه عمل البهنسى أيضاً وسائر الوجه القبلي أمره راجع إلى نائبه المتقدم ذكره‏.‏

الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين القبلي والبحري المرتبة الأولىأمراء الطبلخاناه وهي سبع ولايات بالوجهين‏:‏ القبلي والبحري فأما الوجه القبلي ففيه أربع ولاة من هذه الرتبة‏.‏

الأول والي البهنسى وهي أقرب ولاة الطبلخاناه بهذا الوجه الآن إلى القاهرة‏.‏

الثاني والي الأشمونين‏.‏

الثالث والي قوص و إخميم وهو أعظم ولاة الوجه القبلي حتى إنه يركب في المواكب بالشبابة السلطانية أسوة النواب بالممالك‏.‏

الرابع والي أسوان وهو محدث في الدولة الظاهرية برقوق وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص وكانت ولاية الفيوم طبلخاناه استقرت كشفاً على ما تقدم‏.‏

أما أسيوط فلم يكن بها ولاية لكونها كانت مستقر والي الولاة بالوجه القبلي ثم صارت مستقر النائب به وسيأتي بيان ما كان ولاية طبلخاناه ثم نقل إلى العشرات‏.‏

وأما الوجه البحري ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة‏:‏ الأول والي الشرقية وهو والي بلبيس‏.‏

الثاني والي منوف‏.‏

الثالث والي الغربية وهو والي المحلة ورتبته في الوجه البحري في رفعة القدر تضاهي رتبة الرابع والي البحيرة وهو والي دمنهور‏.‏

وقد تقدم أن الإسكندرية قبل أن تستقر نيابةً كان بها والٍ من أمراء الطبلخاناه‏.‏

المرتبة الثانيةمن الولاة أمراء العشرات وهي سبعة ولاة بالوجهين فأما الوجه القبلي ففيه ثلاثة ولاة‏:‏ الأول والي الجيزة وقد كان قبل ذلك طبلخاناه ثم نقل إلى العشرات‏.‏

الثاني والي إطفيح ولم يزل عشرة‏.‏

الثالث والي منفلوط وهو وإن كان الآن أمير عشرين فقد تقدم أن من دون الأربعين معدود في العشرات‏.‏

على أنها كانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه وحطت عن ذلك‏.‏

وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية والٍ أمير عشرة يولى من قبل السلطان ويراجع والي قوص في الأمور المهمة‏.‏

وأما الوجه البحري ففيه أربع ولاة من هذه الرتبة‏.‏

الأول والي قليوب ولم تزل ولايتها إمرة عشرة‏.‏

الثاني والي أشموم ولم تزل عشرة أيضاً‏.‏

الثالث والي دمياط‏.‏

 الضرب الثاني من أعيان المملكة و أرباب المناصب حملة الأقلام

وهم على نوعين النوع الأول أرباب الوظائف الديوانية وهي كثيرة للغاية لا يسع استيفاؤها والمعتبر منها مما يجب الاقتصار عليه تسع وظائف الأولى الوزارة‏.‏

وهي أجل الوظائف وأرفعها رتبةً في الحقيقة لو لم تخرج عن موضوعها ويعدل بها عن قاعدتها‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وربها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقه لكنها لما حدثت عليها النيابة و أخرت وقعد بها مكانها حتى صار المتحدث فيها كناظر المال لا يتعدى الحديث فيه و لا يتسع له في التصرف مجال ولا تمتد يده في الولاية والعزل لتطلع السلطان إلى الإحاطة بجزئيات الأحوال‏.‏

قال‏:‏ وقد صار يليها أناس من أرباب السيوف والأقلام بأرزاق على قدر الإنفاق وقطيعتها أشهر من أن تذكر‏.‏

قال‏:‏ وكان هذا السلطان يعني الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله قد أبطلها و صار ما كان يتحدث فيه الوزير منقسماً إلى ثلاثة‏:‏ ناظر المال ومعه شاد الدواوين لتحصيل المال وصرف النفقات وناظر الخاص لتدبير الأمور العامة وتعيين المباشرين وكاتب السر للتوقيع في دار العدل مما كان يوقع فيه الوزير مشاورةً و استقلالاً‏.‏

قلت‏:‏ ولما عادت الوزارة بعد ذلك صارت إلى ما كانت عليه من الاقتصار على التحدث في المال وبقيت كتابة السر على ما صارت إليه من التوقيع على القصص بدار العدل وغيرها‏.‏

ثم إن كان الوزير صاحب قلم فهو المستقل بمباشرة الوظيفة نظراً وتنفيذاً ومحاسبةً على الأموال وإن كان صاحب سيفٍ كان مقتصراً على النظر والتنفيذ وكان أمر الحساب في الأموال راجعاً إلى ناظر الدولة معه‏.‏

ثم لوظيفة الوزارة أتباع كثيرة أجلها نظر الدولة واستيفاء الصحبة واستيفاء الدولة‏.‏

فأما نظر الدولة‏:‏ وهو المعبر عنه في مصطلح الدواوين المعمورة بالصحبة الشريفة فموضوعها أن صاحبها يتحدث مع الوزير في كل ما يتحدث فيه ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه ويوقع في كل ما يوقع فيه الوزير تبعاً له‏.‏

وإن كان الوزير صاحب سيف كان ناظر الدولة هو المتحدث في أمر الحسبانات وما يتعلق بها الوزير مقتصر على النظر والتنفيذ‏.‏

وأما استيفاء الصحبة فهي وظيفة جليلة رفيعة القدر‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وصاحبها يتحدث في جميع المملكة مصراً وشاماً ويكتب مراسيم يعلم عليها السلطان تارة تكون بما يعمل في البلاد وتارة بإطلاقات وتارة باستخدامات كبار في صغار الأعمال وما يجري مجراه‏.‏

قال‏:‏ وهذا الديوان هو أرفع دواوين الأموال وفيه تثبت التواقيع و المراسيم السلطانية وكل من دواوين الأموال فهو فرع هذا الديوان وإليه يرجع حسابه وتتناهى أسبابه‏.‏

وأما استيفاء الدولة فهي وظيفة رئيسية وعلى متوليها مدار أمور الدولة في الضبط والتحرير ومعرفة أصول الأموال ووجوه مصارفها ويكون فيها مستوفيان فأكثر‏.‏

الوظيفة الثانية كتابة السر‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وموضوعها قراءة الكتب الواردة على السلطان و كتابة أجوبتها وأخذ خط السلطان عليها وتسفيرها وتصريف المراسيم وروداً وصدوراً والجلوس لقراءة القصص بدار العدل والتوقيع عليها‏.‏

وقد تقدم في الكلام على الوزارة أنه صار يوقع فيما كان يوقع عليه بقلم الوزارة مع مراجعة السلطان فيما يحتاج إلى المراجعة فيه في أمور أخرى من التحدث في أمر البريد وتصريف البريدية و القصاد ومشاركة الدوادار في أكثر الأمور السلطانية مما تقدم ذكره مفصلاً‏.‏

وبديوانه كتاب الدست‏:‏ وهم الذين يجلسون معه في دار العدل و يقرأون القصص على السلطان ويوقعون عليها بأمر السلطان وكتاب الدرج‏:‏ وهم الذين يكتبون الولايات والمكاتبات ونحوها مما يكتب عن الأبواب الشريفة وربما شاركهم كتاب الدست في ذلك‏.‏

الوظيفة الثالثة نظر الخاص‏.‏

وهي وظيفة محدثة أحدثها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله حين أبطل الوزارة على ما تقدم ذكره وأصل موضوعها التحدث فيما هو خاص بمال السلطان‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وقد صار كالوزير لقربه من السلطان و تصرفه وصار إليه تدبير جملة الأمور و تعيين المباشرين يعني في زمن تعطيل الوزارة‏.‏

قال‏:‏ وصاحب هذه الوظيفة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان‏.‏

ولناظر الخاص أتباع من كتاب ديوان الخاص كمستوفي الخاص وناظر خزانة الخاص ونحو ذلك مما لا يسع استيعابه‏.‏

الوظيفة الرابعة نظر الجيش‏.‏

وموضوعها التحدث في أمر الإقطاعات بمصر و الشأم و الكتابة بالكشف عنها و مشاورة السلطان عليها وأخذ خطه وهي وظيفة جليلة رفيعة المقدار وديوانها أول ديوان وضع في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عمر‏.‏

قال الزهري‏:‏ قال سعيد بن المسيب‏:‏ وذلك في سنة عشرين من الهجرة وسيأتي الكلام على ما يتعلق بها في الكلام على كتابة المناشير في المقالة السادسة إن شاء الله تعالى‏.‏

ولناظر الجيش أتباع بديوانيه يولون عن السلطان كصاحب ديوان الجيش وكتابه وشهوده وكذلك صاحب ديوان المماليك و كاتب المماليك وشهود المماليك‏.‏

فإن المماليك السلطانية فرع من الجيش ونظرهم راجع إلى ناظر الجيش‏.‏

الوظيفة الخامسة نظر الدواوين المعمورة و الصحبة الشريفة‏.‏

وهو المعبر عنه بناظر الدولة‏.‏

وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه الوزير وكل ما كتب فيه الوزير كتب فيه هو يكتب فيه بمثل ما رسم به‏.‏

الوظيفة السادسة نظر الخزانة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وكانت أولاً كبيرة الوضع لأنها مستودع أموال المملكة فلما استحدثت وظيفة الخاص صغر أمر الخزانة وسميت بالخزانة الكبرى وهو اسم فوق مسماه‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن بها الآن إلا خلعٌ تخلع منها أو ما يحضر إليها ويصرف أولاً فأولاً وفي الغالب يكون ناظرها من القضاة أو من يلتحق بهم ولناظر الخزانة أتباع يولون عن السلطان كصاحب ديوان الخزانة‏.‏

الوظيفة السابعة نظر البيوت و الحاشية‏.‏

وهو نظر جليل وكل ما يتحدث فيه الأستادار له فيه مشاركة في التحدث فيه وقد تقدم تفصيل حال وظيفة الأستادارية‏.‏

الوظيفة الثامنة نظر بيت المال‏.‏

وموضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال و التصرف فيه تارة قبضاً وصرفاً وتارة بالتسويغ محضراً وصرفاً‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولا يليها إلا ذو العدالة البارزة من أهل العلم والديانة‏.‏

الوظيفة التاسعة نظر الإصطبلات السلطانية‏.‏

وموضوعها مباشرة إصطبلات السلطان والتحدث في أنواع الخيول والبغال والدواب والجمال السلطانية وعليفها وعدتها وما لها من الاستعمالات والإطلاقات وكل ما يبتاع لها أو يباع منها وأرزاق المستخدمين بها ونحو ذلك‏.‏

الوظيفة العاشرة نظر دار الضيافة و السوق‏.‏

و موضوعها التحدث في أمر ما يتحصل من سوق الخيل و الرقيق و نحوهما و صرف ذلك في كلفة من يرد إلى الأبواب السلطانية من رسل الملوك و نحوهم و صرف مرتبات مقررة لأناس في كل شهر و الحدث فيها ولاية و عزلاً و تنفيذاً راجعٌ إلى الدوادار وللوزير المشاركة معه في المتحصل في شيء مخصوص‏.‏

الوظيفة الحادية عشرة نظر خزائن السلاح‏.‏

وموضوعها التحدث على كل ما يستعمل من السلاح السلطاني وعادته أن يجمع ما يتحصل من عمل كل سنة ويجهز في يوم معين ويحمل على رؤوس الحمالين إلى خزائن السلاح بالقلعة المحروسة ويخلع عليه وعلى رفقته من المباشرين‏.‏

الوظيفة الثانية عشرة نظر الأملاك السلطانية‏.‏

وموضوعها التحدث على الأملاك الخاصة بالسلطان من ضياع ورباع وغير ذلك‏.‏

الوظيفة الثالثة عشرة نظر البهار و الكارمي‏.‏

وموضوعها التحدث على واصل التجار الكارمية من اليمن من أصناف البهار وأنواع المتجر وهي وظيفة جليلة تارة تضاف إلى الوزارة وتجعل تبعاً لها وتارة تضاف إلى الخاص وتجعل تبعاً لها وتارة تنفرد عنهما بحسب ما يراه السلطان‏.‏

الوظيفة الرابعة عشرة نظر المواريث الحشرية‏.‏

وموضوعها التحدث على ديوان المواريث الحشرية ممن يموت ولا وارث له أو وله وارث لا يستغرق ميراثه مع التحدث في إطلاق جميع الموتى من الوظيفة السادسة عشرة نظر الطواحين السلطانية بمصر بالصناعة أيضاً‏.‏

وهو مغلق عظيم فيه عشرة حجارة يخرج منها في كل يوم نحو خمسين تليساً‏.‏

الوظيفة السابعة عشرة نظر الحاصلات‏.‏

وهو المعبر عنه بنظر الجهات وموضوعه التحدث في أموال جهات الوزارة من متحصل ومصروف أو حمل لبيت المال وغيره‏.‏

الوظيفة الثامنة عشرة نظر المرتجعات‏.‏

وموضوعها التحدث على ما يرتجع ممن يموت من الأمراء ونحو ذلك وقد رفضت هذه الوظيفة وتعطلت ولايتها في الغالب وصار أمر المرتجع موقوفاً على مستوفي المرتجع وهو الذي يحكم في القضايا الديوانية و يفصلها على مصطلح الديوان وهو المعبر عنه بديوان السلطان‏.‏

الوظيفة التاسعة عشرة نظر الجيزة‏.‏

وموضوعها التحدث على ما يتحصل من عمل الجيزية التي هي خاص السلطان وهي فرع من فروع الدواوين‏.‏

الوظيفة العشرون نظر الوجه القبلي‏.‏

وموضوعها التحدث على بلاد الصعيد بأسرها مما يتحصل فيها من ميراث وغيره‏.‏

الوظيفة الحادية والعشرون نظر الوجه البحري‏.‏

وموضوعها كموضوع نظر الوجه القبلي المتقدم ذكره‏.‏

الوظيفة الثانية و العشرون صحابة ديوان الجيش‏.‏

وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه ناظر الجيش من أمر الإقطاعات‏.‏

الوظيفة الثالثة و العشرون صحابة ديوان البيمارستان‏.‏

وموضوعها التحدث في كل ما يتحدث فيه ناظر البيمارستان‏.‏

الوظيفة الرابعة و العشرون صحابة ديوان الأحباس‏.‏

وصاحبها يكتب في كل ما يكتب فيه ناظر الأحباس إلا أنها بطلت‏.‏

الوظيفة الخامسة و العشرون استيفاء الصحبة‏.‏

النوع الثاني أرباب الوظائف الدينية وهم صنفان الصنف الأول من له بالحضرة السلطانية بدار العدل الشريف وهو منحصر في خمس وظائف الوظيفة الأولى قضاء القضاة‏.‏

وموضوعها التحدث في الأحكام الشرعية وتنفيذ قضاياها والقيام بالأوامر الشرعية و الفصل بين الخصوم ونصب النواب للتحدث فيما عسر عليه مباشرته بنفسه وهي أرفع الوظائف الدينية وأعلاها قدراً وأجلها رتبة‏.‏

واعلم أن الأمر في الزمن الأول كان قاصراُ على قاضٍ واحد بالديار المصرية من أي مذهب كان بل كان في الدولة الفاطمية قاضٍ واحد بالديار المصرية وأجناد الشام وبلاد المغرب مضاف إليه التحدث في أمر الصلاة ودور الضرب وغير ذلك على ما ستقف عليه في تقاليد بعض قضاتهم في الكلام على تقاليد القضاة إن شاء الله تعالى ثم استقر الحال في الأيام الظاهرية بيبرس في سنة ثلاث و ستين وستمائة على أربعة قضاة من مذاهب الأئمة الأربعة‏:‏ الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وكان السبب في ذلك فيما ذكره صاحب نهاية الأرب أن قضاء القضاة بالديار المصرية كان يومئذٍ بيد القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز بمفرده وكان الأمير جمال الدين ايدغدي أحد أمراء السلطان الظاهر المتقدم ذكره يعانده في أموره ويغض منه عند السلطان لتثبته في الأمور وتوقفه في الأحكام‏.‏

فبينما السلطان ذات يوم جالس بدار العدل إذ رفعت إليه قصة بسبب مكانٍ باعه القاضي بدر الدين السنجاري ثم ادعى ذريته بعد وفاته أنه موقوف فأخذ الأمير ايدغدي يغض من القضاة بحضرة السلطان فسكت السلطان لذلك ثم قال للقاضي تاج الدين‏:‏ ما الحكم في ذلك قال‏:‏ إذا ثبتت الوقفية يستعاد الثمن من تركة البائع قال‏:‏ فإن عجزت التركة عن ذلك قال يوقف على حاله فامتعض لها السلطان وسكت ثم جرى في المجلس ذكر أمور أخرى توقف القاضي في تمشيتها وكان آخر الأمر أن الأمير ايدغدي حسن للسلطان نصب أربعة قضاة من المذاهب الأربعة ففعل وأقر القاضي تاج الدين أبن بنت الأغر في قضاء الشافعية وولي الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن صالح السبكي قضاء المالكية وقاضي بدر الدين بن سلمان قضاء الحنفية والقاضي شمس الدين محمد ابن الشيخ عماد الدين إبراهيم القدسي قضاء الحنابلة وجعل لهم الأربعة أن يولوا النواب بأعمال الديار المصرية وافرد القاضي تاج الدين بالنظر في مال الأيتام والأوقاف وكتب له بذلك تقليدٌ من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أوله ‏"‏ الحمد لله مجرد سيف الحق على من اعتدى ‏"‏‏.‏

ثم كل من الأربعة له التحدث فيما يقتضيه مذهبه بالقاهرة والفسطاط ونصب النواب وإجلاس الشهود و يستقل الشافعي منهم بتولية النواب بنواحي الوجهين القبلي و البحري لا يشاركه فيه غيره‏.‏

الوظيفة الثانية قضاء العسكر‏.‏

و هي وظيفة جليلة قديمة كانت في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب و كان قاضي عسكره بهاء الدين وموضوعها أن صاحبها يحضر بدار العدل مع القضاة المتقدم ذكرهم و يسافر مع السلطان إذا سافر وهم ثلاثة نفر‏:‏ شافعي و حنفي ومالكي و ليس للحنابلة منهم حظ و جلوسهم في دار العدل دون القضاة الأربعة المتقدمي الذكر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏

الوظيفة الثالثة إفتاء دار العدل‏.‏

و موضوعها على نحو ما تقدم في قضاء العسكر و بها أربعة الوظيفة الرابعة وكالة بيت المال‏.‏

وهي وظيفة عظيمة الشأن رفيعة القدرة وموضوعها التحدث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترياته من أراض وآدر وغير ذلك والمعاقدة على ذلك وما يجري هذا المجرى‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولا يليها إلا أهل العلم والدين ومجلسه بدار العدل‏:‏ تارة يكون دون المحتسب وتارة فوقه بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه‏.‏

الوظيفة الخامسة الحسبة‏.‏

وهي وظيفة جليلة رفيعة الشأن وموضوعها التحدث عن الأمر والنهي والتحدث على المعايش و الصنائع و الأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح من معيشته وصناعته‏.‏

وبالحضرة السلطانية محتسبان‏:‏ أحدهما بالقاهرة وهو أعظمهما قدرةً وأرفعها شأناً وله التصرف بالحكم والتولية بالوجه البحري بكماله خلا الإسكندرية فإن لها محتسباً يخصها والثاني بالفسطاط ومرتبته منحطة عن الأول وله التحدث والتولية بالوجه القبلي بكماله والذي يجلس منهما بدار العدل في أيام المواكب محتسب القاهرة فقط دون محتسب مصر ومحل جلوسه دون وكيل بيت المال وربما جلس أعلى منه إذا كان أرفع منه بعلم أو نحوه‏.‏

الصنف الثاني من أرباب الوظائف الدينية من لا مجلس له بالحضرة السلطانية وهذه الوظيفة لا حصر لعددها على التفصيل ولا سبيل إلى استيفاء ذكره ثم هذه الوظائف منها ما هو مختص بشخص واحد ومنها ما هو عامٌ في أشخاص‏.‏

فأما التي هي مختصة بشخص واحد‏.‏

فمنها نقابة الأشراف وهي وظيفة شريفة ومرتبة نفيسة موضوعها التحدث على ولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المراد بالأشراف في الفحص عن أنسابهم والتحدث في أقاربهم والأخذ على يد المتعدي منهم ونحو ذلك وكان يعبر عنها في زمن الخلفاء المتقدمين بنقابة الطالبين‏.‏

ومنها مشيخة الشيوخ و المراد بها مشيخة الخانقاه التي أنشأها الملك الناصر بن قلاوون بسرياقوس من ضواحي القاهرة‏.‏

أما مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقاهرة المعروفة بسعيد السعداء فإنها وإن قدم زمنها وعظم قدرها دون تلك في المشيخة‏.‏

ومنها نظر الأحباس المبرورة وهي وظيفة عالية المقدار وموضوعها أن صاحبها يتحدث في رزق الجوامع و المساجد والربط والزوايا والمدارس من الأرضين المفردة لذلك من نواحي الديار المصرية خاصةً وما هو من ذلك على سبيل البر و الصدقة لأناس معينين وأصل هذه الوظيفة أن الليث بن سعد رحمه الله اشترى أراضي من بيت المال في نواحٍ من البلدان وحبسها على وجوه البر وهي المسماة بديوان الأحباس بوجوه العين ثم أضيف إلى ذلك الرباع والدور المعروفة بالفسطاط وغيره ثم أضيف إليها رزق الخطابات ثم كثرت الرزق من الأرضين في الدولة الظاهرية بيبرس بواسطة الصاحب بهاء الدين بن حنا وأخذت في الزيادة إلى زماننا وهي تارة يتحدث فيها السلطان بنفسه وتارة النائب وفي غالب الوقع يتحدث فيها الدوادار الكبير على ما استقر عليه الحال آخراً‏.‏

ومنها نظر البيمارستان والمراد البيمارستان المنصوري الذي أنشأه المنصور قلاوون بين القصرين وكان داراً لست الملك أخت الحاكم الفاطمي فغير معامله وزاد فيه وليس له نظير في الدنيا في بره ومعروفه وهي من اجل الوظائف وأعلاها وعادة النظر فيه من أصحاب السيوف لأكبر الأمراء بالديار المصرية‏.‏

وأما التي هي عامة في أشخاص‏.‏

فمنها الخطابة وهي في الحقيقة أجل وظائف أعلاها رتبة إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها بنفسه ثم فعلها الخلفاء الراشدون فمن بعدهم وهي على كثرة الجوامع بالديار المصرية بحيث أنها لا تحصى كثرةً لا يتعلق منها بولاية السلطان إلا القليل النادر‏:‏ كجامع القلعة إلا إذا كان مفرداًً عن القضاء ونحو ذلك مما لا ناظر له خاص‏.‏

ومنها التداريس وهي على اختلاف أنواعها من الفقه والحديث والتفسير والنحو واللغة وغير ذلك لا يولي السلطان فيها إلا فيما يعظم خطره ويرتفع شأنه مما لا ناظر له خاص كالمدرسة الصلاحية بجوار تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه والزاوية الصلاحية بالجامع العتيق بالفسطاط وهي المعروفة بالخشابية والمدرسة المنصورية بالبيمارستان المنصوري المتقدم ذكره بين القصرين ودرس الجامع الطولوني ونحو ذلك‏.‏

  المقصد الرابع في زي أعيان المملكة

من أرباب المناصب السلطانية بالديار المصرية في لبسهم وركوبهم وهم أربع طوائف الطائفة الأولىأرباب السيوف وزيهم راجع إلى أمرين الأمر الأول لبسهم‏.‏

ويختلف الحال فيه باعتبار مواضع اللبس من البدن‏.‏

فأما ما به تغطية رؤوسهم فقد تقدم أنهم كانوا في الدولة الأيوبية يلبسون كلوتات صفر بغير عمائم وكانت لهم ذوائب شعر يرسلونها خلفهم‏.‏

فلما كانت الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون رحمه الله غير لونها من الصفرة إلى الحمرة وأمر بالعمائم من فوقها وبقيت كذلك حتى حج الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله في أواخر دولته فحلق رأسه فحلق الجميع رؤوسهم واستمروا على الحلق إلى الآن وكانت عمامتهم صغيرة فزيد في قدرها في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين فحسنت هيئتها وجادت وهي على ذلك إلى زماننا‏.‏

وأما ثياب أبدانهم فيلبسون الأقبية التترية و التكلاوات فوقها ثم القباء الإسلامي فوق ذلك يشد عليه السيف من جهة اليسار و الصولق والكزلك من جهة اليمين‏.‏

قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه‏:‏ وأول من أمر بذلك غازي بن زنكي أخو العادل نور الدين الشهيد حين ملك الموصل بعد أبيه ثم الأمراء والمقدمون وأعيان الجند تلبس فوقه أقبيةً قصيرة الأكمام أقصر من القباء التحتاني بلا تفاوت كبير في قصر الكم وطوله مع سعة الكم القصير وضيق الأكمام الطولية‏.‏

ثم إن كان زمن الصيف كان جميع القماش من الفوقاني وغيره أبيض من النصافي ونحوه وتشد فوق القباء الإسلامي المنطقة وهي الحياصة ومعظم مناطقهم من الفضة المطلية بالذهب وربما جعلت من الذهب وقد ترصع باليشم‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولا ترصع بالجواهر إلا في خلع السلطان لأكابر أمراء المئين‏.‏

وإن كان في زمن الشتاء كانت فوقانياتهم ملونة من الصوف النفيس والحرير الفائق تحتها فراء السنجاب الغض‏.‏

ويلبس أكابر الأمراء السمر والوشق والقاقم والفنك ويجعل في المنطقة منديلاً لطيفاً مسدلاً على الصولق ومعظمهم يلبس المطرز على الكمين من الزركش أو الحرير الأسود المرقوم‏.‏

قال في المسالك‏:‏ ولا يلبس المطرز إلا من له إقطاع في الحلقة أما من هو بعد بالجامكية فلا يتعاطى ذلك‏.‏

وأما ما يجعل في أرجلهم فإذا كان في الصيف لبسوا الخفاف البيض العلوية وإن كان في الشتاء لبسوا الخفاف الصفر من الأديم الطائفي ويشدون المهاميز المسقطة بالفضة في القدم على الخف

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولا يكفت مهمازه بالذهب إلا من له إقطاع في الحلقة على ما تقدم في لبس المطرز‏.‏

الأمر الثاني ركوبهم‏.‏

أما ما يركبون فالخيل المسومة النفيسة الأثمان خصوصاً الأمراء ومن يلحق بشأوهم ولا يركبون البغال بحال بل تركبها غلمانهم خلفهم بالقماش النفيس و الهيئة الحسنة و القوالب المحلاة بالفضة وربما غشي جميعها بالفضة بل ربما غشي جميعها بالذهب للسلطان وأعيان الأمراء ومعها العبي السابلة الملونة من الصوف الفائق وربما جعلت من الحرير لأعيانهم وقد يتخذ بدلها الكنابيش بالحواشي المخايش وربما كانت زركشاً للسلطان والأمراء وتحلى لجمعهم وتسقط بالفضة بحسب اختيار صاحبها ويجعل الدبوس في حلقة متصلة بالسرج تحت ركبته اليمنى‏.‏

قال صاحب حماة‏:‏ وأول من أمرهم بذلك غازي بن زنكي حين أمرهم بشد ‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وعلى الجملة فزيهم ظريف وعددهم فائقة نفيسة‏.‏

الطائفة الثانية أرباب الوظائف الدينية من القضاة وسائر العلماء وزيهم راجع أيضاً إلى أمرين الأمر الأول ملبوسهم‏.‏

ويختلف ذلك باختلاف مراتبهم فالقضاة والعلماء منهم يلبسون العمائم من الشاشات الكبار الغاية ثم منهم من يرسل بين كتفيه ذؤابة تلحق قربوس سرجه إذا ركب ومنهم من يجعل عوض الذؤابة الطيلسان الفائق ويلبس فوق ثيابه دلقاً متسع الأكمام طويلها مفتوحاً فوق كتفيه بغير تفريج سابلاً على قدميه‏.‏

ويتميز قضاة القضاة الشافعي والحنفي بلبس طرحة تستر عمامته وتنسدل على ظهره وكان قبل ذلك مختصاً بالشافعي ومن دون هذه منهم تكون عمامته ألطف ويلبس بدل الدلق فرجية مفرجة من قدامه من أعلاها إلى أسفلها مزررة بالأزرار وليس فيهم من يلبس الحرير ولا ما غلب فيه الحرير وإن كان شتاء كان الفوقاني من ملبوسهم من الصوف الأبيض المطلي ولا يلبسون الملون إلا في بيوتهم وربما لبسه بعضهم من الصوف في الطرقات ويلبسون الخفاف من الأديم الطائفي بغير مهاميز‏.‏

الأمر الثاني مركوبهم‏.‏

أما أعيان هذه الطائفة من القضاة ونحوهم فيركبون البغال النفيسة المساوية في الأثمان لمسومات الخيول بلجم ثقال وسروج مدهونة غير محلاة بشيء من الفضة ويجعلون حول السرج قرقشيناً من جوخ‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهو شبيه بثوب السرج مختصر منه ويجعلون بدل العبي الكنابيش من الصوف المرقوم محاذية لكفل البغلة ويمتاز قضاة القضاة بأن يجعل بدل ذلك الزناري من الجوخ وهو شبيه بالعباءة مستدير من وراء الكفل ولا يعلوه بردعة ولا قوش وربما ركبوا بالكنابيش‏.‏

وأما من دون هؤلاء من هذه الطائفة فربما ركبوا الخيول بالكنابيش والعبي‏.‏

الطائفة الثالثة مشايخ الصوفية وهم مضاهون لطائفة العلماء في لبس الدلق إلا أنه يكون غير سابل ولا طويل الكم ويرخون ذؤابة لطيفة على الأذن اليسرى لا تكاد تلحق الكتف ويركبون البغال بالكنابيش على نحو ما تقدم‏.‏

الطائفة الرابعة أرباب الوظائف الديوانية أما أعيانهم كالوزراء ومن ضاهاهم فيلبسون الفراجي المضاهية لفراجي العلماء المتقدمة الذكر وربما لبسوا الجباب المفرجة من ورائها‏.‏

وقد ذكر في مسالك الأبصار‏:‏ أن أكابرهم كانوا يجعلون في أكمامهم بادهنجات مفتوحة وقد صار ذلك الآن قاصراً على ما يلبسونه من التشاريف‏.‏

ومن دون هؤلاء يلبسون الفرجيات المفرجة من ورائها على ما تقدم وأما ركوبهم فيضاهي ركوب الجند أو ما يقاربه‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وتجمل هذه الطائفة بمصر اكمل مما هم بالشام في زيهم وملبوسهم إلا ما يحكى عن قبط مصر في بيوتهم من اتساع الأحوال والنفقات حتى إن الواحد منهم يكون في ديوانه بأدنى اللباس ويأكل أدنى المآكل ويركب الحمار حتى إذا صار في بيته انتقل من حال إلى حال وخرج من عدم إلى وجود قال‏:‏ ولقد تبالغ الناس فيما تحكي من ذلك عنهم‏.‏

المقصد الخامس في هيئة السلطان في ترتيب الملك وله سبع هيئات الهيئة الأولى هيئة في جلوسه بدار العدل لخلاص المظالم عادة السلطان إذا كان بالقلعة في غير شهر رمضان أن يجلس بكرة يوم الاثنين بإيوانه الكبير المسمى بدار العدل المتقدم ذكره مع ذكر القلعة في الكلام على حاضرة الديار المصرية ويكون جلوسه على الكرسي الذي هو موضوع تحت سرير الملك‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ويجلس على يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة ثم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة‏.‏

ويجلس على يساره كاتب السر وقدامه ناظر الجيش وجماعة الموقعين تكملة حلقةٍ دائرة‏.‏

قال‏:‏ وإن كان الوزير من أرباب الأقلام كان بينه وبين كاتب السر وإن كان من أرباب السيوف كان واقفاً على بعدٍ مع بقية أرباب الوظائف‏.‏

وكذلك إن كان ثم نائب وقف مع أرباب الوظائف‏.‏

ويقف من وراء السلطان مماليك صغار عن يمينه ويساره من السلاح دارية و الجمدارية والخاصكية ويجلس على بعد بقدر خمسة عشر ذراعاً عن يمنته ويسرته ذوو السن من أكابر أمراء المئين وهم أمراء المشورة ويليهم من أسفل منهم أكابر الأمراء وأرباب الوظائف وقفٌ وباقي الأمراء وقوف من وراء المشورة ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجاب والدوادارية لإحضار قصص أرباب الضرورات وإحضار المساكين وتقرأ عليه القصص فما احتاج فيه إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه وما كان متعلقاً بالعسكر تحدث فيه مع الحاجب وناظر الجيش ويأمر في البقية بما يراه‏.‏

قلت‏:‏ وقد استقر الحال على أن يكون عن يمينه قاضيان من القضاة الأربعة‏:‏ وهما الشافعي والمالكي وعن يساره قاضيان وهما الحنفي ثم الحنبلي ويلي القاضي المالكي من الجانب الأيمن قضاة العسكر الثلاثة المتقدم ذكرهم الشافعي ثم الحنفي ثم المالكي ويليهم مفتو العدل على هذا الترتيب ويليهم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة وربما جلس المحتسب فوق وكيل بيت المال إذا علا قدره عليه بعلم أو رياسة‏.‏

وكل هؤلاء صف واحدٌ عن يمين السلطان مستدبرين جدار صدر الإيوان مستقبلين بابه والقاضيان الحنفي والحنبلي كذلك من الجانب الأيسر والوزير إن كان من أرباب الأقلام إلى جانب الكرسي من الجانب الأيسر بانحراف وكاتب السر يليه وتستدير الحلقة حتى يصير الجالس بها مستدبراً باب الإيوان على ما تقدمت الإشارة إليه في كلام مسالك الأبصار‏.‏

الهيئة الثانية هيئته في بقية الأيام عادته فيما عدا الاثنين والخميس من الأيام أن يخرج من قصوره الجوانية المتقدم ذكرها إلى قصره الكبير المشرف على إصطبلاته ثم تارة يجلس على تخت الملك الذي بصدره وتارة يجلس على الأرض ويقف الأمراء حوله على ما تقدم في الجلوس في الإيوان خلا أمراء المشورة و الغرباء منه فليس لهم عادة بحضور هذا المجلس إلا من دعت الحاجة إلى حضوره ثم يقوم في الثالثة من النهار فيدخل إلى قصوره الجوانية لمصالح ملكه ويعبر عليه خاصته من أرباب الوظائف كالوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش في الأشغال المتعلقة به على ما تدعو الحاجة إليه‏.‏

الهيئة الثالثة هيئته في صلاة الجمعة و العيدين أما صلاة الجمعة فإن عادته أن يخرج إلى الجامع المجاور لقصره المتقدم ذكره من القصر ومعه خاصة أمرائه فيدخل من أقرب أبواب الجامع للقصر ويصلي في مقصورة في الجامع عن يمين المحراب خاصة ويصلي عنده فيها أكابر خاصته ويجيء بقية الأمراء‏:‏ خاصتهم وعامتهم فيصلون خارج المقصورة عن يمينها ويسارها على مراتبهم فإذا فرغ من الصلاة دخل إلى دور حريمه وذهب الأمراء كل أحد إلى مكانه‏.‏

وأما صلاة العيدين فعادته أن يركب من باب قصره وينزل من منفذة من الإصطبل إلى الميدان الملاصق له وقد ضرب له فيه دهليز على أكمل ما يكون من الهيئة ويحضر خطيب جامع القلعة إلى الميدان فيصلي به العيد ويخطب فإذا فرغ من سمع الخطبة ركب و خرج من باب الميدان و الأمراء والمماليك يمشون حوله وعلى رأسه العصائب السلطانية والغاشية محمولة أمامه الجتر وهو المظلة محمول على رأسه مع أحد أكابر الأمراء المقدمين وهو راكب فرساً إلى جانبه والأوشاقيان الجفتة المتقدم ذكرهما راكبان أمامه وخلفه الجنائب وعلى رأسه العصائب السلطانية وأرباب الوظائف من السلاح دارية كلهم خلفه و الطبردارية أمامه مشاة بأيديهم الأطبار ويطلع من باب الإصطبل ويطلع إلى الإيوان الكبير المقدم ذكره ويمد السماط ويخلع على حامل الجتر وأمير سلاح والأستادار و الجاشنكرية وجماعة من أرباب الوظائف ممن لهم خدمة في مهم العيد كنواب أستادار وصغار الجاشنكرية وناظر البيوت ونحوهم‏.‏

الهيئة الرابعة هيئته للعب الكرة بالميدان الأكبر عادته أن يركب لذلك بعد وفاء النيل ثلاثة مواكب متوالية في كل سبت ينزل من قصره أول النهار من باب الإصطبل وهو راكب على الهيئة المذكورة في العيد ما عدا الجتر فإنه لا يحمل على رأسه وتحمل الغاشية أمامه في أول الطريق وآخره ويصير إلى الميدان فينزل في قصوره وينزل الأمراء منازلهم على قدر طبقاتهم ثم يركب للعب الكرة بعد صلاة الظهر والأمراء معه ثم ينزل فيستريح ويستمر الأمراء في لعب الكرة إلى أذان العصر فيصلي العصر و يركب على الهيئة التي كان عليها في أول النهار ويطلع إلى قصره‏.‏

الهيئة الخامسة هيئته في الركوب لكسر الخليج عند وفاء النيل واعلم أن السلطان قد يركب لكسر الخليج ولم تجر العادة بركوبه فيه بمظلة ولا رقبة فرس ولا غاشية ولا ما في معنى ذلك مما تقدم ذكره في ركوب الميدان والعيدين بل يقتصر على السناجق والطبردارية والجاويشية ونحو ذلك ويكب من القلعة عند طلوع صاحب المقياس بالوفاء في أي وقت كان ويتوجه إلى المقياس فيدخله من بابه ويمد هناك سماطاً يأكل منه من معه من الأمراء و المماليك ثم يذاب زعفران في إناء ويتناوله صاحب المقياس و يسبح في فسيقة المقياس حتى يأتي العمود و الإناء الزعفران بيده فيخلق العمود ثم يعود ويخلق جوانب الفسيقة وتكون حراقة السلطان قد زينت بأنواع الزينة وكذلك حراريق الأمراء وقد فتح شباك المقياس المطل على النيل من جهة الفسطاط وعلق عليه ستر فيؤتى بحراقة السلطان إلى ذلك الشباك فينزل منه ويسبح وحراريق الأمراء حوله وقد شحن البحر بمراكب المتفرجين ويسيرون خلف الحراريق حتى يدخل إلى فم الخليج وحراقة السلطان العظمى المعروفة بالذهبية وحراريق الأمراء يلعب في وسط امتدادها ويرمى بمدافع النفط على مقدامها ويسير السلطان في حراقته الصغيرة حتى يأتي السد فيقطع بحضوره ويركب و ينصرف إلى القلعة‏.‏

الهيئة السادسة هيئته في أسفاره ولم تجر العادة فيها بإظهار ما تقدم من الزينة في موكب العيد والميدان بل يركب في عدة كبيرة من الأمراء‏:‏ الأكابر و الأصاغر والخواص والغرباء وخواص ممالكيه‏.‏

ولا يركب في السير برقبة ولا عصائب ولا تتبعه جنائب ويقصد في الغالب تأخير النزول إلى الليل‏.‏

فإذا دخل الليل حملت أمامه فوانيس كثيرةٌ ومشاعل فإذا قارب مخيمه تلقي بالشموع المركبة في الشمعدانات المكفتة وصاحت الجاويشية بين يديه وترجل الناس كافة إلا حملة السلاح و الأوشاقية وراءه ومشت الطبردارية حوله حتى يدخل الدهليز الأول من مخيمه فينزل ويدخل إلى الشقة وهي خيمة مستديرة متسعة ثم منها إلى شقة مختصرة ثم إلى لاجق‏.‏

وبدائر كل خيمة من جميع جوانبها من داخلها سور خركاه من خشب وفي صدر اللاجوق قصر صغير من خشب ينصب للمبيت فيه وينصب بإزاء الشقة حمامٌ بقدور من رصاص وحوض على هيئة الحمامات بالمدن إلا أنه مختصر‏.‏

فإذا نام طافت به المماليك دائرةً وطاف بالجميع الحرس وتدور الزفة حول الدهليز في كل ليلة مرتين‏:‏ عند نومه وعند استيقاظه من النوم ويطوف مع الزفة أميرٌ من أكابر الأمراء وحوله الفوانيس والمشاعل ويبيت على باب الدهليز أرباب الوظائف من النقباء وغيرهم فإذا دخل إلى المدينة ركب على هيئة ركوبه لصلاة العيد بالمظلة وغيرها هذا ما يتعلق بخاصته‏.‏

أما موكبه الذي يسير فيه جمهور مماليكه فشعاره أن يكون معهم مقدم المماليك و الأستادار وأمامهم الخزائن والجنائب والهجن ويكون بصحبته في السفر من كل ما تدعو الحاجة إليه من الأطباء والكحالين والجرائحية وأنواع الأدوية والأشربة والعقاقير وما يجري مجرى ذلك يصرف ذلك لمن يعرض له مرض بالطريق‏.‏

الهيئة السابعة النوم وقد جرت العادة أنه يبيت عنده خواص مماليكه من الأمراء وأرباب الوظائف من الجمدارية وغيرهم يسهرون بالنوبة بقسمة بينهم على بناكيم الرمل كلما انقضت نوبة قوم أيقظوا أصحاب النوبة الذين يلونهم ويتعانى كل منهم ما يشاغله عن النوم فقوم يقرأون في المصاحف وقوم يلعبون بالشطرنج والأكل وغير ذلك‏.‏

وهو على ضربين الضرب الأول الجاري المستمر وهو على نوعين النوع الأول الإقطاعات والإقطاعات في هذه المملكة تجري على الأمراء والجند وعامة إقطاعاتهم بلاد و أراضٍ يستغلها مقطعها و يتصرف فيها كيف يشاء وربما كان فيها نقد يتناوله من جهات وهو القليل وتختلف باختلاف حال أربابها‏.‏

فأما الأمراء بالديار المصرية فقد ذكر في مسالك الأبصار أن أكابر الأمراء يبلغ إقطاع الواحد منهم مائتي ألف دينار جيشية وربما زاد على ذلك‏.‏

ويتناقص باعتبار انحطاط الرتبة إلى ثمانين ألف دينار وما حولها ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء الطبلخاناه ثلاثين ألف دينار فأكثر وبنقص إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء العشرات تسعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك ويبلغ إقطاع الواحد من مقدمي الحلقة إلى ألف وخمسمائة دينار وأما إقطاعات الشام فلا تقارب هذا المقدار بل تكون بقدر الثلثين في جميع ما تقدم خلا أكابر المقدمين بالديار المصرية فليس بالشام من يبلغ شأوهم إلا نائب الشام فإنه يقاربهم في ذلك‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وليس للنواب في الممالك مدخل في تأمير أمير عوض أمير بل إذا مات أميرٌ صغير أو كبير طولع به السلطان فأمر مكانه من أراد ممن في خدمته ويخرجه إلى مكان الخدمة وأما من كان في مكان الخدمة أو ينقل إليه من بلد آخر فعلى ما يراه في ذلك‏.‏

أما جند الحلقة فمن مات منهم استخدم النائب عوضه وكتب بذلك رقعة في ديوان جيش تلك المملكة ويجهز مع بريدي إلى الأبواب السلطانية فيقابل عليها من ديوان الجيش بالحضرة ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها يكتب ويكتب بها مربعة من ديوان الجيش ويكتب عليها منشور‏.‏

ولجميع الأمراء بحضرة السلطان الرواتب الجارية في كل يوم‏:‏ من اللحم والتوابل والخبز والعليق والزيت ولأعيانهم الكسوة والشمع وكذلك المماليك السلطانية وذوو الوظائف من الجند مع تفاوت مقادير ذلك بحسب مراتبهم وخصوصيتهم عند السلطان وقربهم إليه‏.‏

وقال في مسالك الأبصار‏:‏ وإذا نشأ لأحد الأمراء ولد أطلق له دنانير و خبزٌ ولحم وعليق إلى أن يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة ثم منهم من ينقل إلى العشرة أو الطبلخاناه على حسب الحظوظ و الأرزاق‏.‏

وهو مبلغٌ يصرف إليهم مشاهرة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وأكبرهم كالوزير له في الشهر مائتان وخمسون ديناراً جيشية ومن الرواتب والغلة ما إذا بسط وثمن كان نظير ذلك ثم دون ذلك ودون دونه ولأعيانهم الرواتب الجارية‏:‏ من اللحم والخبز والعليق والشمع والسكر والكسوة ونحو ذلك إلى غير ذلك مما هو جار على العلماء وأهل الصلاح من الرواتب و الأراضي المؤبدة وما يجري مجراها مما يتوارثه الخلف عن السلف مما لا يوجد بمملكة من الممالك ولا مصر الأمصار‏.‏

الضرب الثاني الإنعام وما يجري مجراه مما يقع في وقتٍ دون وقت وهو على خمسة أنواع النوع الأول الخلع و التشاريف قال في المسالك‏:‏ ولصاحب مصرفي ذلك اليد الطولى حتى بقي بابه سوقاً ينفق فيه كل مجلوب ويحضر الناس إليه من كل قطرٍ حتى كاد ذلك ينهك المملكة ويودي بمتحصلاتها عن آخرها‏.‏

قال‏:‏ وغالب هذا مما قرره هذا السلطان ولقد أتعب من يجيء بعده من كثرة الإحسان‏.‏

وهي على ثلاثة أصناف‏:‏ الصنف الأول تشاريف أرباب السيف وهي على طبقات أعلاها ما هو مختص بالأمراء المقدمين من النواب وغيرهم فوقاني أطلس أحمر بطرز زركش مفرى بسنجاب بدائرة سجف من ظاهره مع غشاء قندس وتحته قباءٌ أطلس أصفر وكلوتة زركش بكلاليب ذهب وشاش رفيع موصول به طرفان من حرير أبيض مرقومان بألقاب السلطان مع نقوش باهرة من الحرير الملون ومنطقة ذهب مركبة على حاشية حرير تشد في وسطه ويختلف حال المنطقة بحسب المراتب‏.‏

فأعلاها أن يعمل من عمدها بواكير وسطاً ومحبسين مرصعة بالبلخش والزمرد واللؤلؤ ثم ما كان ببيكارية واحدة من غير ترصيع فإذا كان التشريف لتقليد ولاية مفخمةٍ زيد سيفاً محلى بذهب و فرساً مسرجاً ملجماً بكنبوش زركش وربما زيد أكابر النواب كنائب الشام تركيبة زركش على الفوقاني وشاش حرير سكندري مموج بالذهب‏.‏

ويعرف ذلك بالمتمر‏.‏

وعلى ذلك كان شاش صاحب حماة ويكون عوض كنبوشه زناري أطلس أحمر ودون ذلك من التشاريف أقبية طرد وحش من عمل الإسكندرية ومصر والشام مجوخ‏:‏ جاخاتٌ مكتوبة بألقاب السلطان وجاخاتٌ صور وحوش أو طيور صغار وجاخات ملونة مموجة بقصب مذهب يفصل بين جاخاته نقوش يركب على القباء طراز زركش وعليه السنجاب و القندس كما تقدم وتحته قباء من الطرح السكندري المفرج وكلوتة زركش بكلاليب و شاش كما تقدم وحياصة ذهب تارة تكون ببيكارية وتارة لا تكون وهذه لأصاغر أمراء المئين ومن يلحق بهم وكذلك أصحاب الوظائف ثم للتشاريف أماكن‏:‏ منها إذا ولي أمير أو صاحب منصب وظيفة فإن يلبس تشريفاً يناسب ولايته التي وليها على حسب ما تقتضيه علواً وهبوطاً‏.‏

ومنها عيد الفطر يخلع فيه على جميع أرباب الوظائف‏:‏ من الأمراء وأرباب الأقلام كالأستادار و الدوادار وأمير سلاح و الوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ونحوهم كل منهم بما يناسبه‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ومن عادة السلطان أن يعد لكل عيد خلعة على أنها لملبوسه من نسبة خلع أكابر المئين فلم يلبسها ولكن يختص بها بعض أكابر المئين يخلعها عليه‏.‏

ومنها الميادين يخلع فيها على أكابر الأمراء كل ميدان يختص بأمير أو أكثر يلبس فيه خلعة من المفرج المذهب‏.‏

ومنها دوران المحمل في شوال يخلع فيه على أرباب الوظائف بالمحمل كالقاضي والناظر والمحتسب والشاهد والمقدمين والأدلة وناظر الكسوة ومباشريها ومن في معناهم‏.‏

النوع الثاني الخيول قد جرت عادة صاحب مصر أن ينعم على أمرائه بالخيول مرتين في كل سنة‏:‏ المرة الأولى عند خروجه إلى مرابط خيوله على القرط في أواخر ربيعها فينعم على الأخصاء من أمرائه بما يختاره من الخيول على قدر مراتبهم وتكون خيول المقدمين منهم مسرجة ملجمة بكنابيش من زركش وخيول أمراء الطبلخانات عرياً من غير قماش‏.‏

المرة الثانية عند لعبه الكرة بالميدان وتكون خيول المقدمين والطبلخانات مسرجة ملجمةً بلا كنابيش وكذلك يرسل نواب الممالك الشامية كل أحد بحسبه وليس لأمراء العشرات في ذلك حظ إلا ما يتفقدهم به على سبيل الإنعام‏.‏

قال المقر الشهابي بن فضل الله‏:‏ ولخاصة المقربين من الأمراء المقدمين والطبلخانات زيادات كثيرة في ذلك بحيث يصل بعضهم إلى فرس في كل سنة وله أوقاتٌ أخرى يفرق فيها الخيل على مماليكه وربما أعطى بعض مقدمي الحلقة وكل من مات له فرس من مماليكه دفع إليه عوضه وربما أنعم بالخيول على ذوي السن من أكابر الأمراء عند الخروج إلى الصيد ونحوه‏.‏

ولخيول الأمراء في كل سنة إطلاقات أراض بالأعمال الجيزية لزرع القرط لخيولهم من غير خراج وللمماليك السلطانية البرسيم المزدرع على قدر مراتبهم وما يدفع إليهم من القرط يكون بدلاً من عليق الشعير المرتب لهم في غير زمن الربيع عوضاً عن كل عليقة نصف فدان من القرط القائم على أصله في مدة ثلاثة أشهر‏.‏

قد جرت عادة السلطان أنه ينعم على ممالكيه وخواص أهل المناصب من حملة الأقلام في كل سنة بكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف على قدر مراتبهم ومن عاداته أنه إذا ركب للعب الكرة بالميدان فرق حوائص من ذهب على بعض الأمراء المقدمين يفرق في كل موكب ميدان على أميرين بالنوبة حتى يأتي على آخرهم في ثلاث سنين أو أربع بحسب ما تقع نوبته في ذلك‏.‏

قال في المسالك‏:‏ أما أمراء الشأم فلا حظ لهم من الإنعام في أكثر من قباء واحد يلبس في وقت الشتاء إلا من تعرض لقصد السلطان فإنه ينعم عليه بما يقتضيه حاله‏.‏

النوع الرابع الإنعام والأوقاف وأكثر الأوقات لا ضابط لعطائه إنما يكون بحسب مزية المنعم عليه عند السلطان وقربه منه‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولخاصة الأمراء المقدمين أنواع من الإنعامات كالعقار و الأبنية الضخمة التي ربما أنفق على بعضها فوق مائة ألف دينار وكساوي القماش المنوع وفي أسفارهم في وقت خروجهم إلى الصيد وغيره العلوفات و الأموال‏.‏

النوع الخامس المأكول والمشروب أعظم أسمطة هذا السلطان تكون بالإيوان الكبير أيام المواكب‏.‏

إذا خرجت القضاة و سائر أرباب الأقلام من الخدمة مد السماط بالإيوان الكبير من أوله إلى آخره بأنواع الأطعمة المنوعة الفاخرة ويجلس السلطان على رأس الخوان و الأمراء يمنةً ويسرةً على قدر مراتبهم من القرب من السلطان فيأكلون أكلاً خفيفاً ثم يقومون ويجلس من دونهم طائفة بعد طائفة ثم يرفع الخوان‏.‏

وأما في بقية الأيام فيمد الخوان في طرفي النهار لعامة الأمراء خلا البرانيين فإنه لا يحضره منهم إلا القليل النادر‏.‏

ففي أول النهار يمد سماطٌ أول لا يأكل منه السلطان شيئاً ثم سماط ثانٍ بعده قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل ثم سماط ثالث بعده يسمى الطاريء ومنه مأكول السلطان‏.‏

وفي أخريات النهار يمد سماطان الأول والثاني المسمى بالخاص ثم إن استدعي بطاريء حضر وإلا بحسب ما يؤمر به وفي كل هذه الأسمطة يسقى بعدها المشروب من الأقسما السكرية عقب الأكل‏.‏

وأما في الليل فيبيت بالقرب من مبيته أطباقٌ من أنواع المآكل المختلفة و المشروب الفائق ليتشاغل أصحاب النوب بالمأكول و المشروب عن النوم‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولكل ذي إمرة بمصر من خواص السلطان عليه السكر والحلوى في شهر رمضان والضحية على مقادير رتبهم‏.‏